التابعى الجليل
إبراهيم بن يزيد التيمى
نسبه وكنيته :
إبراهيم بن يزيد التيمى وهو ابن يزيد بن شريك من تيم الرباب ويكنى أبا أسماء.
من مناقبه :
حدث عن أبيه يزيد بن شريك التيمى، وكان أبوه يزيد من أئمة الكوفة أيضاً. وروى عن عمر، وأبى ذر، والكبار، وأخذ عنه أيضا الحكم، وإبراهيم النخعى، وحديثه فى الدواوين الستة. وحدث إبراهيم عن الحارث بن سويد، وأنس بن مالك، وعمرو بن ميمون الأودى، وجماعة، وأرسل عن عائشة.
وحدث عنه الأعمش، ومسلم البطين، وبيان بن بشر، ويونس بن عبيد، وجماعة.
ومن كراماته أنه خرج يمتارُ لأهله طعاماً، فلم يقدر عليه، فمر بسهلة حمراء، فأخذ منها، ثم رجع إلى أهله، ففتحوها فإذا هى حنطة حمراء، فكان إذا زرع منها تخرج السُنبلة من أصلها إلى فروعها حباً متراكباً.
وكان من كبار المحدثين.
أهم ملامح شخصيته :
وأخبرنا العوام بن حوشب قال: رأيت على إبراهيم التيمى ملحفة حمراء، ودخلت عليه بيته فرأيت ثياباً حمراً والحجال الحمر.
وعن يحيى بن يحيى الرملى ثنا الأعمش قال: كان إبراهيم التيمى إذا سجد تجئ العصافير تستقر على ظهره كأنه جذم حائط.
وعن العوام قال: ما رأيت إبراهيم التيمى رافعاً بصره إلى السماء قط لا فى صلاة ولا فى غير صلاة.
وعن العوام بن حوشب قال: ما رأيت رجلاً قط خيراً من إبراهيم التيمى وما رأيته رافعاً بصره الى السماء لا فى صلاة ولا فى غيرها وسمعته يقول: إن الرجل ليظلمنى فأرحمه.
وعن الأعمش قال: قلت لإبراهيم التيمى بلغنى أنك تمكث شهراً لا تأكل شيئاً قال: نعم وشهرين ثم قال: ما أكلت منذ أربعين ليلة إلا حبة عنب ناولنيها أهلى فأكلتها ثم لفظتها فقلت للأعمش: أصدقته فقال: إبراهيم التيمى بن يزيد. يريد أنه قد صدق. وعن الأعمش أيضا أنه قال: قال إبراهيم التيمى: ربما أتى على شهر لا أطعم طعاماً، ولا أشرب شراباً، لا يسمعن هذا منك أحد. وأظنه قال: ما كنت أمتنع من حاجة أريدها.
وكان شابا صالحاً قانتاً لله عالماً فقيهاً كبير القدر واعظاً.
كان سالكاً طريق التصوف، جارياً على منهاج التنسك والتقشف.
وكان يكره الشهرة، ويحب الخمول. ويعنى هنا خمول الذكر أى لا يذكره أحد.
روايته عن أبيه :
عن إبراهيم التيمى قال: كان على أبى قميص من قطن كماه إلى كفيه. قال: فقلت له: يا أبه لو لبست. قال: فقال: لقد قدمت البصرة فأصبت آلافاً فما أكبرت بها فرحاً ولا حدثت نفسى بالكرة إليها، ولوددت أن كل لقمة طيبة أكلتها فى فم أبغض الناس إلىّ. لأنى سمعت أبا الدرداء يقول: إن ذا الدرهمين يوم القيامة أشد حساباً من ذى الدرهم.
وعن إبراهيم التيمى عن أبيه قال: إنى لأقعد من امرأتى مقعد الرجل من أهله فإذا ذكرت الموت فما أنا بأقدر عليه منى من أن أمس السماء.
وعن إبراهيم التيمى عن أبيه أنه خرج إلى البصرة فاشترى رقيقاً بأربعة آلاف درهم ثم باعهم فربح أربعة آلاف درهم فقلت: يا أبت لو أنك عدت إلى البصرة فاشتريت مثل هؤلاء فربحت فيهم فقال: يابنى لم تقول هذا فوالله ما فرحت بها حين أصبتها ولا أحدث نفسى أن أرجع فأصيب مثلها.
وعن إبراهيم التيمى إن أباه كان يرتدى بالرداء فيبلغ إليتيه من خلفه وثدييه من بين يديه فقلت: ياأبت لو إتخذت رداء هو أوسع من ردائك هذا فقال: يابنى لم تقول هذا فوالله ما على الأرض لقمة لقمتها إلا وددت أنها كانت فى فى –فم- أبغض الناس إلىّ.
عن إبراهيم التيمى عن أبيه عن على قال: ما عندنا شىء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبى (أن المدينة حرام ما بين عير إلى ثور من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرف ولا عدل، ومن والى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل).
وعن إبراهيم التيمى عن أبيه عن أبى ذر قال: كنا عند النبى فى المسجد عند غروب الشمس قال: يا أبا ذر أتدرى أين تغرب الشمس قلت: الله ورسوله أعلم. قال (فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش عند ربها وتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها حتى تستشفع فإذا طال عليها قيل لها: اطلعى مكانك فذلك قوله تعالى.
﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ يس: 38)، حديث صحيح متفق عليه ، وزادوا فتطلع من مغربها وذلك حين ﴿لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ﴾ يس: 38، الآية
عن إبراهيم التيمى عن أبيه عن أبى ذر قال: قلت: يارسول الله أى مسجد وضع أول قال (المسجد الحرام ثم المسجد الأقصى)، قال: ثم قلت: وما بينهما قال (أربعون سنة وحينما أدركتك الصلاة فصل فثم مسجد)،حديث صحيح متفق عليه.
عن إبراهيم التيمى عن أبيه عن أبى ذر قال: قال رسول الله (من بنى لله مسجداً ولو مثل مفحص القطاة بنى الله له بيتاً فى الجنة).
وعن إبراهيم التيمى قال: كان أبى قد ترك الصلاة معنا قلت: مالك تركت الصلاة معنا قال: إنكم تخففون قلت: فأين قول النبى (إن فيكم الكبير والضعيف وذا الحاجة)، قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: ذلك ثم صلى ثلاثة أضعاف ما تصلون.
عن إبراهيم التيمى عن أبيه عن أبى مسعود الأنصارى قال: بينا أنا أضرب غلاماً بالسوط إذ سمعت صوتاً من خلفى (إعلم أبا مسعود) فجعلت لا أعقل من الغضب حتى دنا منى رسول الله فلما رأيته وقع السوط من يدى فقال (إعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا)، فقلت: والذى بعثك بالحق لا أضرب عبداً أبداً. هذا حديث ثابت مشهور.
وعن إبراهيم التيمى عن أبيه عن أبى ذر قال: قلت: يارسول الله دلنى على عمل يقربنى من الجنة ويباعدنى من النار قال (إذا عملت سيئة فاعمل حسنة على أثرها فإنها عشر أمثالها)، قال: قلت: يارسول الله من الحسنات لا إله إلا الله؟ قال (من أكبر الحسنات).
روايته عن الرسول :
عن إبراهيم التيمى عن الحارث ابن سويد عن أبى مسعود قال: قال رسول الله (تجوزوا فى صلاتكم فإنه يصلى خلفكم الضعيف والكبير وذو الحاجة).
وعن إبراهيم التيمى عن عائشة قالت: كان رسول الله يغسلنى وهو على وضوء ثم يصلى.
وعن إبراهيم التيمى عن أنس قال: كان رسول الله يكره التبتل وينهى عنه نهياً شديداً فيقول (تزوجوا الودود الولود فأنى مكاثر بكم الأمم يوم القيامة).
قصة حبسه ووفاته فى الحبس:
قال: أخبرنا على بن محمد قال: كان سبب حبس إبراهيم التيمى أن الحجاج طلب إبراهيم النخعى فجاء الذى طلبه فقال: أريد إبراهيم. فقال إبراهيم التيمى: أنا إبراهيم. فأخذه وهو يعلم أنه يريد إبراهيم النخعى، فلم يستحل أن يدله عليه، فأتى به الحجاج فأمر بحبسه فى الديماس. ولم يكن لهم ظل من الشمس ولا كن من البرد، وكان كل اثنين فى سلسلة. فتغير إبراهيم، فجاءته أمه فى الحبس فلم تعرفه حتى كلمها، فمات فى السجن، فرأى الحجاج فى منامه قائلاً يقول: مات فى هذه البلدة الليلة رجل من أهل الجنة. فلما أصبح قال: هل مات الليلة أحد بواسط؟ قالوا: نعم إبراهيم التيمى مات فى السجن. فقال: حلم نزغة من نزغات الشيطان. وأمر به فألقى على الكناسة.
قال ابن سعد: أخبرنا على بن محمد قال: طلب الحجاج إبراهيم النخعى، فجاء الرسول فقال: أريد إبراهيم، فقال إبراهيم التيمى: أنا إبراهيم، ولم يستحل أن يدله على النخعى، فأمر بحبسه فى الديماس، ولم يكن لهم ظل من الشمس، ولا كن من البرد، و كان كل اثنين فى سلسلة، فتغير إبراهيم، فعادته أمه، فلم تعرفه، حتى كلمها، فمات، فرأى الحجاج فى نومه قائلاً يقول: مات فى البلد الليلة رجل من أهل الجنة، فسأل، فقالوا: مات فى السجن إبراهيم التيمى، فقال: حلم نزغة من نزغات الشيطان، وأمر به فألقى على الكناسة.
من كلامه :
عن إبراهيم التيمى قال: ما عرضت قولى على عملى إلا خفت أن أكون مكذباً.
وقال إبراهيم التيمى: مثلت نفسى فى النار أعالج أغلالها وسعيرها وآكل من زقومها وأشرب من زمهريرها فقلت: يانفسى أى شئ تشتهين قالت: أرجع إلى الدنيا أعمل عملاً أنجو به من هذا العذاب ومثلت نفسى فى الجنة مع حورها وألبس من سندسها واستبرقها وحريرها فقلت: يانفسى أى شئ تشتهين قالت: أرجع إلى الدنيا فأعمل عملاً أزداد من هذا الثواب فقلت: أنت فى الدنيا وفى الأمنية.
وعن عمر بن ذر قال: ربما قيل لإبراهيم التيمى: تكلم فيقول: ما تحضرنى نية.
وعن مسافر الجصاص قال: كان إبراهيم التيمى يدعو يقول: اللهم اعصمنى بكتابك وسنة نبيك من اختلاف فى الحق ومن اتباع الهوى بغير هدى منك ومن سبل الضلالة ومن شبهات الأمور ومن الزيغ واللبس والخصومات.
وعن إبراهيم التيمى قال: ما أكل آكل أكلة تسره ولا شرب شربة تسره إلا نقص بها من حظه من الآخرة.
وقال التيمى: كم بينكم وبين القوم أقبلت عليهم الدنيا فهربوا منها وأدبرت عنكم فاتبعتموها.
وعن سالم بن أبى حفصة قال: قرأ إبراهيم فى قصصه ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ﴾ الحج 19، فقال إبراهيم: سبحان من قطع من النيران ثياباً.
وعن إبراهيم التيمى فى قوله تعالى ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ إبراهيم: 17، قال: حتى من موضع كل شعرة وقال الحسن بن هارون من أطراف شعره.
وعن أكيل قال: سمعت إبراهيم النخعى يقول: ما أحد ممن يتكلم أحرى أن يطلب به وجه الله من إبراهيم التيمى ولوددت أنه انفلت منه كفافاً.
عن الأعمش قال: سمعت إبراهيم يقول: ما أحد يبتغى بقصصه وجه الله غير إبراهيم التيمى ولوددت أنه انفلت منه كفافاً.
وعن منصور عن إبراهيم أظنه التيمى فى قوله عز وجل ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ الإنسان: 21، قال: عرق يفيض من أعراضهم، وقيل: مع أغراضهم مثل ريح المسك.
وعن إبراهيم التيمى فى قوله تعالى ﴿فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ المعارج: 4، قال: ما طول يوم القيامة على المؤمن ألا ما بين الظهر والعصر.
وعن إبراهيم التيمى قال: رأيت فى المنام كأنى وردت على نهر فقيل لى: إشرب واسق من شئت بما صبرت وكنت من الكاظمين.
وعن حصين قال: كان من كلام إبراهيم التيمى أنه يقول: أى حسرة أكبر على إمرىء من أن يرى عبداً كان له خوله الله إياه فى الدنيا هو أفضل منزلة منه عند الله يوم القيامة وأى حسرة على ًإمرىء أكبر من أن يصيب مالاً فيرثه غيره فيعمل فيه بطاعة الله تعالى فيصير وزره عليه وأجره لغيره وأى حسرة على إمرىء أكبر من أن يرى من كان مكفوف البصر ففتح له عن بصره يوم القيامة وعمى هو، إن من كان قبلكم يفرون من الدنيا وهى مقبلة عليهم ولهم من القدم ما لهم وأنتم تتبعونها وهى مدبرة عنكم ولكم من الأحداث مالكم فقيسوا أمركم وأمر القوم.
وعن إبراهيم التيمى أنه قال: وهو يعظ أصحابه: أى حسرة على إمرىء أكبر من أن يأتيه الله علماً فلم يعمل به فسمعه منه غيره فعمل به فيرى منفعته يوم القيامة لغيره.
وعن إبراهيم التيمى قال: بلغنى أنه يقسم للرجل من أهل الجنة شهوة مائة رجل وأكلهم ونهمتهم فإذا أكل سقى شراباً طهوراً فخرج من جلده رشح كرشح المسك ثم تعود شهوته.
وعن إبراهيم قال: إذا رأيت الرجل يتهاون فى التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه.
وعن إبراهيم التيمى قال: ينبغى لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار لأن أهل الجنة قال ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ وينبغى لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة لأنهم قال: و﴿إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾ الطور: 26.
ومن كلامه كالحِكَم :
قال: كفى من العلم خشية الله، ومن الجهل أن يعجب الرجل بعمله.
وقال: حملتنا المطامع على أسوأ الصنائع.
وقال: المؤمن إذا أراد أن يتكلم نظر، فإن كان له تكلم وإلا أمسك.
وقال: والفاجر إنما يرسل لسانه رسلاً رسلاً.
وقال: يهلك الناس فى خلتين: فضول المال، وفضول الكلام.
وقال: أعظم الذنب عند الله أن يحدث العبد بما ستره الله عليه.
وقال: شيئان قطعا عنى لذة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الوقوف بين يديه تعالى.
إبراهيم التيمى والقصص:
وسفيان عن أبيه قال: إنما حمل إبراهيم التيمى على القصص أنه رأى فى المنام أنه يقسم ريحاناً، فبلغ ذلك إبراهيم النخعى فقال: الريحان ريحه طيب وطعمه مر.
وعن إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعى أنه ذكر إبراهيم التيمى فقال: إنى أحسبه يطلب بقصصه وجه الله، لوددت أنه انفلت كفافاً لا عليه ولا له.
وفاته :
مات سنة اثنتين وتسعين، ولم يبلغ أربعين سنة .…