هل يحق للفرد أن يطلب مسألة من أحد الاولياء الصالحين؟

هل يحق للفرد أن يطلب مسألة من أحد الاولياء الصالحين؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هل يحق للفرد أن يطلب مسألة من أحد التابعين أو الاولياء الصالحين إعتقادا فيه بأنه قادر على إجابة طلبه (حيا أو منتقلا) كمن يقول يا سيدى …….. سهلى الموضوع الفلانى أو أيا قال فهل هذا يجوز؟

الإجابة : أولا: نبدأ بالشق الثانى من السؤال وهو هل يصح الطلب منهم والإجابة: بنعم، وهو ما يطلق عليه أيضا التوسل. دعنا نوضح أمرا هاما المعطى والمانح والرازق ومالك الملك هو الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى سبحانه وتعالى عما يشركون، وقد أوجد الله الأنبياء والأولياء والصالحين والأئمة وسيلة إليه يوجهون الناس إليه ويقربونهم منه ولا يصدرون إلا عن أمره. ويقول الحق تبارك وتعالى فى هذه الوسيلة آمرا باستخدامها: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة﴾ وواضح من الآية بدون أى تعليق أن من لم يطلب الوسيلة لا يتقى الله، ويحتج البعض بأن الوسيلة المذكورة فى الآية هى درجة فى الجنة ونسأل الله أن يجعلها للنبى صلى الله عليه وآله وسلم، والبعض الآخر يقول أن التوسل فى الآية بأعمالنا – وهذا معنى ضمنى – وأيهما أفضل أن أتوسل بأعمالى التى هى فى حكم الرد أو القبول أم أتوسل بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم المقبول عند رب العالمين، … وأما عن المراد بمعنى الوسيلة لغويا كما جاءت كتب اللغة: فهى ما يتقرب به إلى الغير. ويقول بعض ذوى الأفكار الغريبة أن ذلك ما نهت عنه الآية الكريمة: ﴿والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾ وأيضا قوله سبحانه: ﴿ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله﴾، وهذا هو بعينه تحريف الكلم عن موضعه الذى فعله أهل الكتاب السابقون بكتبهم؛ حيث نزلت هذه الآيات فى المشركين الذين يعبدون الأصنام، أنظر كيف قالوا “نعبدهم” و”يعبدون”، فمن الذى يعبد النبى ومن الذى يعبد الأولياء؟؟!! وكذلك فإن كلمات اللغة يجب أن تفهم قبل التحدث بها، فمثلا “أولياء من دون الله” عكس “أولياء الله”، وإلا كان “أولياء الشيطان” مثل “أولياء الرحمن”!!! فالأولياء المذكورة فى الآية الكريمة تعنى أتخاذهم الأصنام أولياء يعبدونهم، والدليل عليه فى الآية الثانية قوله: (ما لا يضرهم ولا يتفعهم) والمعروف أن (ما) تستعمل لغير العاقل، فهى تشير إلى الأصنام، فانظر كيف يحرف الكلام ليشار به إلى أولياء الله!! ثم يحاول هؤلاء الناس أن يقنعوك بالتشابه فيقولون أنك حين تطلب منهم أو تتوسل بهم فأنت تدعوهم؟! و(الدعاء مخ العبادة) وبالتالى فأنت تعبدهم، ساء ما يدعون، فهم لا يفرقون بين الدعاء والطلب أو المسألة، فالدعاء يتطلب أن تعتقد الألوهية فيمن تطلب منه، وإلا كان طلبك لأى شيئ من أى شخص دعاء وعبادة له، بمعنى أنك إن طلبت من أخيك أن يناولك كوبا من الماء فإن ذلك يكون دعاء وتكون عابدا له؟؟!! ولذلك فلا يجب الإلتفات إليهم، بل يجب اللجوء إلى الكتاب وسنة النبى وسيرة أصحابه وتفسير السلف الصالح لنجد فيها المأوى من هذه الفتن، وإليك من السنة مايوضح كيفية التوسل: أخرج البخارى فى التاريخ وأبو نعيم عن خالد بن سعيد عن أبيه عن جده قال (قدمت -قبيلة- بكر بن وائل مكة فى الحج فعرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم الإسلام، فقالوا حتى يجئ شيخنا الحارث، فلما جاء قال إن بيننا وبين الفرس حربا فإذا فرغنا نظرنا فيما تقول فلما التقوا بذى قار قال لهم شيخهم ما اسم الرجل الذى دعاكم؟ قالوا: محمد. قال: فهو شعاركم، فنصروا على الفرس، فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم (بى نصروا). وما أورده الإمام البخارى عن ابن عمر قال: أنه لما جاء الأعرابى وشكا للنبى صلى الله عليه وآله وسلم القحط، فدعا الله فانجابت السماء بالمطر، قال صلى الله عليه وآله وسلم : (لو كان أبو طالب حيا لقرت عيناه، ومن ينشدنا قوله؟) فقال الإمام على كرم الله وجهه : يا رسول الله كأنك أردت قوله: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتـامى عصمة للأرامل فتهلل وجه النبى صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينكر إنشاد البيت ولا قوله: (يستسقى الغمام بوجهه). وكان سبب إنشاد أبى طالب (عم النبى صلى الله عليه وآله وسلم ) هذا البيت من جملة قصيدة مدح بها النبى صلى الله عليه وآله وسلم أن قريشا تتابعت عليهم سنوات جدب فى حياة عبد المطلب (جد النبى ) فارتقى ومن معه من قريش جبل أبا قبيس بعد أن استلموا ركن البيت، وقام عبد المطلب واعتضد النبى صلى الله عليه وآله وسلم فرفعه على عاتقه وهو يومئذ غلام، ثم دعا فسقوا فى الحال .. وكذلك استسقى به أبو طالب أيضا بعد وفاة عبد المطلب حين أصاب أهل مكة قحط شديد فأتوا أبا طالب فقالوا له قد أقحط الوادى وأجدب العيال فهلم فاسـتسق، فخرج أبو طالب ومعه النبى صلى الله عليه وآله وسلم وهو غلام فأخذه أبو طالب فألصقه بالكعبة ولاذ الغلام، أى أشار بأصبعه إلى السماء كالملتجئ، ومافى السماء قزعة فأقبل السحاب من ههنا وههنا وأمطرت السماء واغدودق الوادى وكثر قطره وأخصب النادى والبادى وفى هذه يقول أبا طالب بعد بعثة النبى صلى الله عليه وآله وسلم يذكر قريشا يده وبركته عليهم من صغره: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصـمة للأرامل يلوذ به الهُلاك من آل هاشـم *** فهو عنده فى نعمـة وفواضل وكذلك يقول سيدى ابن بشيش فى الواسطة (إذ لولا الواسطة لذهب الموسوط) كما قال لأن جبريل كان واسطة بالوحى والأنبياء واسطة بين الحق والخلق مثلما جاء فى قوله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة﴾. ومفهوم أنه ليس بيننا وبين الله واسطة على إطلاقه لا يكون صحيحا، وإلا فما حاجة المسلمين إلى الإمام فى الصلاة؟ وكيف يتحمل هذا الإمام مسئولية الصلاة والقراءة عن المصلين، وهذه الواسطة لا تتنافى مع قرب الله منا وعلمه بنا ورعايته لنا إطلاقا، ولكن سببها ضعفنا نحن وعدم إدراكنا لذلك، ولذلك احتجنا الواسطة لكونها أكثر منا علما وقربا إلى الله. وانظرى إلى المسلمين يذهبون إلى إمامهم النبى ليدعو لهم ويستغفر لهم وقول الحق تبارك وتعالى فى ذلك: ﴿ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾، فلو أنهم ليس بينهم وبين الله واسطة ماطلب منهم الله أن يأتوا النبى صلى الله عليه وآله وسلم ثم يستغفرون أمامه ويعترفوا بذنوبهم أمامه ثم لا يغفر لهم الله حتى يستغفر لهم الرسول . وكذلك نرى النبى صلى الله عليه وآله وسلم يستسقى للمسلمين لنزول المطر فى حياته … وبعد وفاته: روى البيهقى وابن أبى شيبة باسناد صحيح (ان الناس أصابهم قحط فى خلافة عمر رضي الله عنه، فجاء بلال بن الحرث الى قبر النبى صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يا رسول الله استسق لأمتك فانهم هلكوا، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى المنام وأخبره أنهم يسقون، وليس الاستدلال بالرؤيا للنبى ، فان رؤياه وان كانت حقا لكن لا تثبت بها الاحكام، لإمكان اشتباه الكلام على الرائى لا لشك فى الرؤيا، وانما الاستدلال بفعل بلال بن الحرث فى اليقظة، فانه من أصحاب النبى صلى الله عليه وآله وسلم ، فاتيانه لقبر النبى صلى الله عليه وآله وسلم ونداؤه له، وطلبه أن يستسقى لأمته، دليل على أن ذلك جائز، وهو من باب التوسل والتشفع والاستقاءة به ، وذلك من أعظم القربات. واستقى عمر رضي الله عنه فى زمن خلافته بالعباس بن عبد المطلب عم النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما اشتد القحط عام الرمادة فسقوا، وذلك مذكور فى صحيح البخارى من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه وذلك من التوسل، بل أنه فى المواهب اللدنية للعلامة القسطلانى: أن عمر رضي الله عنه لما استسقى بالعباس رضي الله عنه قال يا أيها الناس ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يرى للعباس الولد للوالد فاقتدوا به فى عمه العباس واتخذوه وسيلة الى الله تعالى … ففيه التصريح بالتوسل. ومن الاحاديث الصحيحة التى جاء التصريح فيها بالتوسل مارواه الترمذى، والنسائى، والبيهقى، والطبرانى، باسناد صحيح عن عثمان بن حنيف، وهو صحابى مشهور (ان رجلا ضريرا أتى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقال ادع الله أن يعافينى. فقال ان شئت دعوت وان شئت صبرت وهو خير، قال فادعه فأمره أن يتوضأ فليحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء (اللهم انى أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبى الرحمة يا محمد انى أتوجه بك الى ربى فى حاجتى لتقضى اللهم شفعه فى) فعاد وقد أبصر، وفى رواية قال ابن حنيف (فوالله ماتفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأن لم يكن به ضر قط) وأخرج هذا الحديث أيضا البخارى فى تاريخه، وابن ماجه والحاكم فى المستدرك باسناد صحيح، وذكره الجلال السيوطى فى الجامع الكبير والصغير، ففى هذا الحديث التوسل والنداء. وقد توسل به أبوه آدم قبل وجود سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حين أكل من الشجرة التى نهاه الله عنها (قال بعض المفسرين فى قوله تعالى ﴿فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه﴾ ان الكلمات هى توسله بالنبى وروى البيهقى باسناد صحيح فى كتابه (دلائل النبوة) الذى قال فيه الحافظ الذهبى: عليك به كله هدى ونور. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (لما اقترف آدم الخطيئة قال يارب أسألك بحق محمد الا ما غفرت لى فقال الله تعالى يا آدم كيف عرفت محمد ولم أخلقه. قال يارب انك لما خلقتنى رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا اله الا الله محمد رسول الله فعلمت انك لم تضف الى اسمك الا أحب الخلق اليك. فقال الله تعالى صدقت يا آدم انه لأحب الخلق الى واذا سألتنى بحقه غفرت لك ، ولولا محمد ماخلقتك) ورواه أيضا الحاكم وصححه، والطبرانى وزاد فيه (وهو آخر الانبياء من ذريتك) والى هذا التوسل أشار الامام مالك رحمه الله تعالى للخليفة الثانى من بنى العباس وهو المنصور جد الخلفاء العباسيين. وذلك انه لم حج المنصور المذكور وزار قبر النبى صلى الله عليه وآله وسلم سأل الامام مالك وهو بالمسجد النبوى وقال: يا عبد الله أستقبل القبلة وأدعوا أم أستقبل رسول الله ؟ فقال مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبوك آدم الى الله تعالى، بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله فيك. والأحاديث كثيرة فى التوسل إلى الله والوساطة وكلها تدل على جواز ذلك وإنما لا يكون بيننا وبين الله واسطة إذا لم نجد واسطة مثلما فى الصلاة فإن لم تجد الجماعة صليت منفردا ولكن إن وجدت بطلت صلاة الفرد … فالمبدأ الفقهى المعروف (لا صلاة لمنفرد خلف جماعة). وهذه الوساطة لا تلغى ارتباط المؤمن بربه بل تقويه وتزيده وتساعده، فالعبادة كلها لله والواسطة والوسيلة تقوى هذه العبادة وتمنع الأمراض والعلل وكما قال سيدى إبراهيم الدسوقى رضي الله عنه : (والله لو هاجر الناس مهاجرة صحيحة طالبين الله خالصا … ودخلوا تحت أوامره لاستغنوا عن الأشياخ ولكنهم جاءوا إلى الطريق بعلل وأمراض فاحتاجوا إلى حكيم) والشيخ هنا هو الحكيم المعالج للأمراض والعلل التى تصيب المريد … والشفاء من الله ولكن الطبيب وسيلة.
Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram
LinkedIn

إتـرك سؤالك

Please enable JavaScript in your browser to complete this form.

يجب أن تملأ البيانات بعناية حيث لن يقبل السؤال إلا إذا كانت المعلومات مستوفاة